حق الاختيار

2014/01/29 التسميات:
“ انت مجنونة .. أى فتاة عاقلة وحكيمة فى الدنيا ترفض عريسا مثله.."

تجاهلت والدتها ، وهى تتابع طريقها إلى حجرتها ، ولكن الأم لم تكتفى بتلك الجملة ، بل تابعت حديثها الغاضب إلى إبنتها هاتفة:

ثم بأى حق تسخرين منه على هذا النحو .. هل تظنين نفسك إبنة سفير أو وزير .. إن والدك مجرد طبيب فى مستشفى حكومى . .. وأجره لا يكاد يكفى حتى آخر أيام الشهر ، فبأى حق تعاملين الولد بهذه العجرفة
غمغمت بضجر ، وهى ترتمى على فراشها الملئ بالدمى القطنية المحشوة :
لعلى مريضة نفسياً ، أو ربما انا فتاة معقدة ..
صرخت بها والدتها بنفاذ صبر غاضب:
هل تتجرأين وتسخرين منى انا أيضاً..

أطلقت زفرة ضجرة ، وهى تشيح بوجهها إلى النافذة ، محاولة صم آذانها عن ثورة والدتها المعتادة، كلما نبذت عريساً من هدايا خالتها ، وكأنها تحتفظ بهم فى حقيبة يدها ... وكالعادة تعمدت تجاهل الحزن فى عيون والدها أيضاً... لن تسمح لأحدهم أن يملى عليها تصرفاتها ، او يجبرها على الإرتباط بهذه الطريقة العقيمة .. زواج الصالونات... يحضرون صاحب العظمة .. ويجلس كالملك المتوج على كنبة الصالون الفاخرة ، والتى يمنع على أحد من إخوتها أو حتى والدها أن يلمسها فقط ، ثم يأتون بالبضاعة ليعرضوها عليه .. وإذا أعجبته يبتسم ويهز رأسها موافقاً ، فتشمل الفرحة كل ملامح خالتها ووالدتها.. وإذا لم يرضى عن الفاكهة المقدمة إليه فى ثوب جديد إشترته أمها خصيصاً لتلك المناسبة ، يشمئز بأنفه ، ويتظاهر بنسيانه لموعد فيرحل ، وهو يجر معه أذيال الخيبة فى عيون والدتها وخالتها .. وهى كالكرة فى منتصف الملعب ، وكل من الفريقين يتناقلونها بين أقدامهم، دون حتى أن يمنحوها الحق فى الاعتراض أو الموافقة .. وعندما رفضها ثالث عريس قبل عامين ، كانت تلك هى القشة التى قسمت ظهر البعير..

هى تعرف أنها ليست بفاتنة .. سمراء ، بشعر أسود مجعد ، وملامح بسيطة ، تتحول بقليل من الزينة إلى وجه جذاب جميل .. ولكنها ليست بدون عقل أيضاً ... لقد درست ونجحت فى دراستها بتفوق ، حتى أجبرتها والدتها دخول القسم الأدبى فى الثانوية العامة ، رغماً عنها .. ومنذ ذلك العام المنحوس ، وهى تتنقل من فشل إلى آخر .. ومن وظيفة إلى أخرى .. وكأنها فقدت حظها مع فقدانها الحق فى الاختيار ، فى أى المجالات العلمية عليها أن تتابع.. ولكنها فى قرارة نفسها كانت تنتقم .. ولو بدون قصد منها .. تنتقم من والدتها لجبروتها .. تنتقم من والدها لخضوعه .. تنتقم من العالم القاسى الذى حرمها دراسة الطب ، إحتذاءً بوالدها ، فقط لأنها أنثى .. ولأن أمها تفضل تزويجها ، من أول من يدق بابهم ، وحث شقيقها الصغير على دراسة الطب بدلا عنها ، لأنه صبى ولأنه سيصبح رجلا ومسؤولا يوماً ما عن بيت وأسرة...

أفاقت على صراخ والدتها الغاضب ، وبدأ الحقد ينمو فى أعماقها ، كالإعصار .. ورغم أنها لمحت والدها يستند إلى الجدار المواجه لباب غرفتها ، إلا أنها قالت بسخرية لاذعة:
ألست أنت من تردد دائماً بأن أهلك أجبروك على الزواج برجل لا يستحقك !
توقف سيل الشتائم الغاضبة من فم والدتها ، وتأملتها مبهوتة ، فأتسعت إبتسامة الفتاة ، ومالت إلى الأمام قائلة بتهكم لاذع:

أنا قررت أن اتجنب خطأك .. لن أترك لك مجالاً لإختيار شريك حياتى بدلاً منى .. لن أنتظر عشرون عاماً قادمة لأندم ، وأردد نفس جملتك " لقد أجبرونى على الزواج من فاشل " وبنفس المرارة.. لا يا أمى انا سأختار شريك حياتى ... أنا سأتقدم منه وسأقول له بثقة " تزوجنى.. " وذلك سيكون فقط مع من يستحقنى .. وليس مع سواه!

حدقت بها والدتها بصمت ذاهل ، فتناولت هاتفها ، ورفعت سماعاته إلى أذنيها تاركة المجال لموسيقى عمر خيرت بأن تقول لوالدتها بدلا عنها ، بأن الحوار إنتهى ، وأنه لا مجال للنقاش...

ورغم ثقتها الواضحة ، وصوتها الثابت إلا أنها بداخلها كانت ترتجف ، وسؤال قاسى يغلف قلبها..

هل يمكنها حقاً الإختيار !

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
موقع مجلة ابداع أون لاين الالكترونية © 2013 | برعاية : مدونة الذات لتطوير الذات | تطوير وتصميم : المصمم الرقمي